رسالة إلى السيد المزاجيّ
- Haya Alaqeel

- Dec 15, 2024
- 4 min read
Updated: Sep 17

بقلم : هيا العقيل
جاءتني طفلة صغيرة غالية على قلبي تشتكي من مزاجية صديقة لها، فأحيانا تكون سعيدة وتتقرب منها تريد صداقتها، وأحيانا أخرى تتجاهلها وتبتعد عنها، وأحيانا تتعامل معها وكأنها لا شيء وإن كانت لتوّها قد لعبت معها وما بينهما شيء، حاولت أن أحاورها وأناقشها وأخفّف عنها ما تشعر وتمرّ به
وبعد أن أنهينا النقاش، تذكرتُ مقال كنت قد كتبته منذ زمن بعيد، وكان عبارة عن رسالة لشخص مزاجي حينها، كتبته ونشرته ثم نسيته، لكن مع هذه الطفلة الصغيرة الجميلة تذكّرته، فبحثتُ عنه لأنشره ثانيةً بعد أن حرّكت داخلي مشاعر التعاطُف معها، وكان كالآتي:
عزيزي.. يا من يلقّبونك بالمزاجي، يا من تقلب الجلسات، والجمعات، واللقاءات، وتفصّلها على مزاجك، فمتى كنتَ سعيداً نشرتَ السعادة حولك من ذوقك، وحبك (المزيّف) الزائد، وسلاماتك، وقبلاتك الحارة التي يصعب تصديقها فقط لأنك "مزاجي"! وأنت نفسك ذاك الشخص الذي يقلب الأفراح، والبهجات إلى نكد، وكيد، وأحقاد دفينة - لا يُعلم مصدرها - تجعلها تطفو في الموقف الذي أنت فيه "مزاجي"!، فمزاجك هو من يديرك وتريده أن يديرنا جميعا معك، فما إن سألنا عن السبب، واستفسرنا، واستفهمنا، حتى قالوا عنه: تحملوه واعذروه.. إنه مزاجي
عفوا!! مزاجي!! إذا كنت عزيزي المزاجي ستعاملني حسب مزاجك، فهل أنت قادر على أن أعاملك أنا أيضاً حسب مزاجي؟ فإن كنتُ سعيداً وراضٍ عنك عاملتك أحسن معاملة ورفعتك أعلى المنازل، أما إن كنتُ غاضبا ومزاجي معكّر فلتتحمّل عندها مزاجيّتي، ونظراتي اللامبالية، وسلامي الجاف أكثر من الخبز اليابس، ولتتحمّل عندها أيضاً أن أسلّم عليك بقرف وكأني ألمس وأقبّل كيس قمامة لا كائن حي يرقى لدرجة إنسان، ولتتحمّل تجاهلي لك بالحديث، وعدم حماسي لأحاديثك إن أنت تكلمت، وتجاهلك متى شئتُ، وإعطاءك ظهري لك لأنّ مزاجيتي لا تستطيع تحمل رؤية وجهك الباسم الوديع!
لا يا عزيزي، من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون مزاجيّ بسهولة، فالإنسان الخلوق يعامل الناس بالقيم، والمبادئ، والأخلاق، لا بمزاجيّته، و ازدواجية شخصيّته، و تحوُّل وجهه و لبس القناع المناسب لمزاجه كل يوم، من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون عديم الأخلاق في مواقف وخلوق في مواقف أخرى، و كأنّ الأخلاق اكسسوارات نتزيّن بها متى شئنا و ننزعها عنا متى شئنا أيضا، الأخلاق مصطلح كبير يصعب أن تخدع الناس فيه، فأخلاقك ستنعكس على تعاملاتك مع غيرك شئت أم أبيت، و سينكشف معدنك النفيس أو الرخيص عاجلا أم آجلا
من تربّى على الأخلاق يصعب عليه أن يكون مزاجيّ بسهولة، فالإنسان الخلوق يعامل الناس بالقيم، والمبادئ، والأخلاق، لا بمزاجيّته، و ازدواجية شخصيّته
فاحرص عزيزي و أنت تعيش دور "المزاجي" أن تتذكر أن من أمامك يستطيع أن يعاملك بنفس أسلوبك و أسوأ منه لو شاء، لأن قلة الأدب و التصرّف المتسرّع الغاضب أسهل بكثير من ضبط النفس، واللسان، و تحكيم القيم و الأخلاق على تصرّفات الإنسان، لكن لا بد لك من أن تعرف أيضا شيء هام جدا، و هو أنني أستطيع أن أكون مرآة لك، و أن أكون ردّ الفعل للفعل الذي تصرّفته، و ترى مني الوجه الآخر الذي لم تعهده، وتتفاجأ من كوني أستطيع أن أُعطيك بدلاً من الابتسامة العريضة، عقد حاجبين و تجهّم، و أن أعطيك بدلا من السلام الحار و القبلات، سلاماً أجف من هواء الصحراء، و أن أتجاهلك ببرود حين تبدأ بالكلام، و أن أستتفهك في عقلي الذي سيُترجم ذلك على عينيّ فترى من خلالهما البرود الذي لا يستفزّه شيء و لا هو أساسا يراك حتى يفكر فيك، أستطيع أن أجعلك تشعر كما لو أنّك مجرد حشرة بأقل من بضع دقائق، خاصة أنك إنسان مهزوز يهزّه أي تصرف، فأن أكسرك و أكسر غرورك في لحظات أهون عندي من قضم حبة شوكولاتة بالبندق، تلك التي قد تحتاج مني بعض الجهد في الضغط على أسناني حتى أقطعها و حبة البندق سوية و أستلذّ بطعمها الرائع
لكن المشكلة هي أنني لا أتلذّذ في أن أُصغّرك وأُحجّمك كي تفهم أن من حولك قادر جدا على أن يعاملك بالمثل، وأعزو السبب في ذلك لنشأتي في بيت يصعب فيه كسر خواطر الناس أو تجاهلهم حتى وإن لم يعجبونا
ليس عيب أن تعرف أنك مزاجي، ولكن العيب هو أن تجعل مَن حولك ضحايا لمزاجيّتك وقلّة ذوقك
ليس عيب أن تعرف أنك مزاجي، ولكن العيب هو أن تجعل مَن حولك ضحايا لمزاجيّتك وقلّة ذوقك، ولتضع نصب عينيك أن ليس جميع من حولك يقبل بأن يعيش دور الضحية، فهناك من سيعيش دور المُدافِع، لا بل قد تجد منهم من يعيش دور المُهاجم. فالناس ليسوا سواسية في ردود أفعالهم، كما أنهم ليسوا عبيدا لمزاجيتك. و لتتذكر أن ليس كل من تقابله سيتحمّلك، لأن ليس كل من تقابله هما والداك اللذان قد يتحمّلانك أكثر من غيرك من الناس، بل إنك قد تقابل أناس يجعلونك تندم على مزاجيتك معهم في يوم من الأيام، فكما أن لك كرامة فللناس من حولك كرامة أيضا، وكما أن لك فعل مزاجيّ فتَوقّع من غيرك ردّ فعل مزاجيّ أيضا مساوٍ لفعلك في المقدار (إن لم يكن أكبر) ومعاكس له في الاتجاه.
.
ما أعرفه حق المعرفة ومتيقن منه هو أنك لستّ ممن وصاني ربي بهما في كتابه العزيز حتى أتحملك بكل رضا طلبا للأجر والثواب
كما أنك لست شريك لحياتي أو أحد أبنائي، الذين قد أعيش معهم عمر طويل، فأفهم طباعهم ويفهمون طباعي، وأراهم أكثر من أي أحد آخر خلال نهاري فأتفهّم ما يمرّون به ويتفهّمون ما يمرّ بي، وأتساهل معهم لمعرفتي العميقة بهم، وبأخلاقهم، وبتركيبتهم الفسيولوجية، فأتحمّلهم وإن كانوا مزاجيّين في بعض أوقاتهم الصعبة
أضف إلى ذلك أنك لستَ من صلة رحمي ودائرة القربى التي أؤجر إن أنا حافظت على حبل الوصل معها، ما يعني أنني أستطيع أن أقطع علاقتي بك دون أدنى شعور بالذنب أو الأسى عليك، وأُريح رأسي من تفاهاتك، وغرورك، ونفسك المريضة المضطربة، تلك التي تبثّ سمومها على من حولها متى شاءت، وتنثر الورود والمحبة على من حولها متى شاءت أيضا!
إن أردت أن تكون ضمن قائمة معارفي وليس أصدقائي، لا بد لك أن تُعيد التفكير بما قلته للتوّ، عندها لو فهمتَه وتعلّمتَه وطبَّقتَه فقد ترقى في يوم من الأيام إلى منزلة الصديق، وإن كان ذلك على ما يبدو بعيدا عنك. وإن لم تُكلّف نفسك عناء التعلّم، وضبط الأعصاب، والتحكُّم بمزاجيتك، فلتتلقى عندها نتائج مزاجيتك التي ستنعكس على تصرفاتي وتؤثّر على مزاجيتي أيضا، فكما أن لك مزاجا معكّرا فبمجرد رؤيتي لك ستنقل لي العدوى، وسأُعاملك بمزاجي لا بأخلاقي، ليس تخليّا مني عن مبادئي، ولكن لأُبرهن لك ولو لمرة واحدة أنه من الأسهل أن تكون قليل أدب عن أن تكون رفيع الأدب.. بعدها سأعود إلى طبيعتي، لكن ليس معك، إنما بمجرد أن أتعامل مع غيرك، وإن كان شخصا يجلس بجانبك كتفا لكتف!
و السلام ..








Comments