المراهقة المتأخرة عند بعض نساء عصرنا الحالي
- Haya Alaqeel

- May 15, 2022
- 5 min read
Updated: May 16, 2022

بقلم : هيا العقيل
في الآونة الأخيرة باتت بعض الظواهر التي كنا نتعجب منها في الماضي القريب عادية جدا، ذلك أن تكرارها جعل منها شيئا مألوفا لنا، فما عادت أدمغتنا تستنكرها كما كانت تفعل سابقا مع مثيلاتها، و من هذه الظواهر ظاهرة المراهقة و التي باتت سمة عصرنا الحالي، المراهقة التي انتشرت ليس فقط بين شبّانه بل بين شيبانه أيضا
ففي حين كنا نرى الفتاة تراهق في الزمن القريب، أصبحنا نرى الفتاة و أمها لا بل و أحيانا جدّتها تسير على خطى المرَاهقة، حتى أن صاحبات الجيلين القديمين قد يكن في أوج المراهقة و ذروتها أكثر من المراهقات أنفسهن صاحبات الحق في هذه الفترة ، فعلى الأقل فإن هرمونات المرحلة و التغييرات التي تطرأ على جسد و نفسية من تمرّ بها قد تشفع لها تقلّب مزاجها و عدم استقرارها و تخبطها و تسرّعها و ردود أفعالها غير المتوقعة، لأن هذا كله مجتمعا معا ليس بالسهل على الإنسان ذكرا كان أم أنثى
إذ أن مرحلة المراهقة هي المرحلة التي يُمخَّض فيها الرجل و المرأة من أعماق الفتى و الفتاة، فيودّع كل منهما مرحلة الطفولة اللامسؤولة إلى مرحلة الشباب المليئة بالمسؤولية، مرحلة البراءة إلى مرحلة الوعي و الإدراك ، مرحلة مبرّرة في تصرفاتها و أفعالها لمن هم حولنا إلى مرحلة لا مبرر فيها إلا ما هو مقنع و يتوافق مع العقل و المنطق
مرحلة المراهقة هي المرحلة التي يتعلم بها المرء الصواب من الخطأ بطريقة جليّة عبرالتجارب و المحاولات، فيقوم بالخطأ أحيانا رغم علمه بأنه خطأ بهدف الاكتشاف و التجريب، و لإثبات الذات و للحصول على القبول من كلا الجنسين
فتغييرات المراهقة على البعض تكون أهون من البعض الآخر .. بعضها من تمرّ عليه بسلاسة و يسر و بعضها من تمرّ عليه بصعوبة و عسر، لكنها في نهاية المطاف تمرّ عند معظم البشر
( الطبيعين )، و تصبح مرحلة من الماضي اكتفى الإنسان منها و لا يتمنى عودتها، رحلة تزوِّد الإنسان بعدّة تمكّنه من العبور للمرحلة التي تليها ألا و هي... مرحلة الشباب، فيدخلها الإنسان مزوّدا بتجاربه التي عاشها باحثا عن الاستقرار و الإنجاز و تحقيق هدفه الخاص من هذه الحياة
إلا أنّ في أيامنا هذه بدأت المعايير تُقلب ، و أصبحت فيها الأم هي من تراهق و الابنة هي من تنبهها، و ما عمليات التجميل التي أصبحت كشربة الماء (لسهولة إجراءها و توفرها و تهاوي أسعار القيام بها عما قبل ) إلا أكبر دليل على ذلك ، فقدأصبحت المرأة-البعض طبعا و ليس الكل- تخاف خوفا شديدا من الانتقال الطبيعي لمراحل الحياة الطبيعية التي يمر بها كل إنسان، فأردات أن تضع فرامل لتوقف الزمن من المرور على تضاريس جسدها عبر اجرائها لعمليات التجميل علّها تبدو أصغر سنّا فتتوقف عند المرحلة التي هي فيها و لا تتحرك للمرحلة التي تليها، و كلما ازدادت خطوط الزمن على وجهها و جسدها تراها كالمسعور لا تدري كيف تخفيها بأي شكل كان و بأي ثمن كان حتى لو كان هذا الثمن هو تحوّلها لمسخ غير واضح المعالم و الملامح فتصبح عدد في عيادات التجميل و عليه في عيادات الطب النفسي، و في ذلك لا تُلام المرأة فحسب بل الرجل أيضا (البعض طبعا) الذي يدفع بالمرأة للقيام بذلك و إن كان بطريقة غير مباشرة، عبر مدحه لإحداهن ممن بدّلت وجهها بعمليات التجميل، أو تلك التي نحتت جسدها (الجميل) بعمليات التجميل لتُرضي ذاك الساذج خلف الشاشة، الذي اعتقد أن ما يراه هو الجميل و ما عنده هو الرديء، و الذي هو نفسه لو أخذ كل نساء الأرض لما اكتفى و لبقي يقارن و يتمنى ما عند غيره حتى لو كانت صورة، و لا يسدّ جوعه إلا التراب
و لم تكتف المرأة بذلك فحسب و لم ترمي جسدها المسكين بعرض الحائط وحده بل رمت معه المبادئ و القيم و الأخلاق جملة و تفصيلا إلا ما اختارته منها و الذي يتماشى مع مصالحها ظاهرةً و باطنة
كنا في الزمن القريب إذا أخطأ أحدنا استتر و حاول أن يُخفي معصيته خجلا من نفسه و من الناس و من رب الناس و احتراما للقيم والأخلاق السائدة التي تعمّ المجتمع ، أما الآن فإن لم تجاهر بالمعصية أو على الأقل لا تستهجنها و تنتقدها فأنت في عداد المتخلفين الرجعيين، و نعتوك بأبشع الصفات لأنك لا تجاري معتقداتهم التي لا أساس لها، و أصبح من يَستهجن المعصية هو المستهجَن و ليس العكس
أصبح الانحلال سهل الوصول إليه خاصة مع انتشار وسائل نشره، و أصبحت العين تزني بسهولة في وضح النهار و في منتصف الليل، بالعزلة و مع الجماعة، و الأذن تزني بسهولة و عليه فالجسد بعد ذلك كله سيستسيغ ما كان مرفوضا في الزمن القريب له بسهولة أيضا و يزني هو الآخر
و في هذا كله على من يكون اللوم، هل على المرأة، أم على الرجل، أم على الأهل، أم على المجتمع، أم على التكنولوجيا و الإعلام؟
جواب هذا السؤال يحتاج كتبا لشرحه و ليس مقال!
هل أصبحنا في زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر؟
و هل ما نحن فيه من أمراض و أوبئة و اختلال الطبيعة نحن السبب فيه بدون استثناء؟
هل هي علامات تنبهنا كي نعود للطريق القويم قبل فوات الأوآن كما قال الله عزوجل في كتابه العزيز: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَاكَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
أصيب الناس بالبلاهة و الحماقة، و أصبح الكل يتكلم و يتفلسف و يدّعي العلم، و يفتي و يعلِّم و يدرِّب إلا من رحم ربي، و الناس كالقطيع تمشي خلفهم دون مراعاة لقيمة عقولهم التي ميّزهم الله بها عن الحيوانات، فأصبح منهم من يتبع و يتابع فلان في نمط حياته و أفكاره و اهتماماته لأن حجم قطيعه كبير و بالملايين، وعليه فهو من وجهة نظره (السطحية) ذو أهمية فيتبعه هو الآخر دون أن يُعمل عقله في فحص و تمحيص هذا الذي أصبح تبعا له!
عندما نخالف الفطرة تظهر الطفرة، الطفرة الغريبة الخبيثة في القلب و القالب، فينا و في مجتمعاتنا و في الأجيال القادمة بعدنا، و الذين سيكونون حصاد تربيتنا نحن أصحاب الجيل الحالي،
فإن كان الآباء و الأمهات بهذا الشكل فماذا نتوقع عندها من ذريتهم
عندما تنتشر المظاهر الخادعة و الناس تعتقد أنها الحقيقة و تتصرف بناءا عليه فلنقرأ عندها على أرواحنا السلام و على ضمائرنا السلام، لأن فطرتنا قد تشوّهت و تشوّهت معها مطالبنا و أهدافنا في هذه الحياة التي وُجدنا فيها لأهداف أسمى و أرقى
تكنولوجيا يومنا هذا و المنتشرة بأشكالها المتعددة و خاصة وسائل التواصل الاجتماعي بأشكاله المتعددة إن لم تكن وسيلة لترقى بنا للدارالعليا فهي وسيلة تهوي بنا في الدار السفلى، و لا مجال للحل الوسط هنا
و كم من بشر هَوَت بهم هذه الوسائل دون أن يدركوا، معتقدين أن ما يُبثّ فيها هي الحياة المثلى، عبر نفايات البشر الذين يتابعونهم، فدمّروا حاضرهم و مستقبلهم ، خارجهم و باطنهم، دينهم و دنياهم، و زعزعوا قيمهم و مبادئهم دون أن يدرون
كم من شخص فاشل في حياته و يُظهر عكس ذلك على السوشال ميديا، فيعتقد من يتابعه أنه محظوظ على عكسهم، و هم في الواقع أسعد منه بكثير، لا بل و بكثير جدا
كم من شخص فاشل في زواجه أصبح يعطي مواعظ في الزواج الناجح
و كم من شخص سخيف جاهل أصبح يعطي (علم ) و يروّج له
و كم من شخص رمى أطفاله للخدم ثم يظهر بمظهر المهتم و الحريص على أبنائه و يعطي مواعظ في التربية
فلننظر حولنا و سنجد من هذه النماذج الكثير ممن نعرفهم شخصيا و ليس فقط على السوشال ميديا
جيلنا يحتاج للوعي و يحتاج لتيّار معاكس يثبت القيم و المبادئ و الأخلاق من جديد. لو كنتَ واحد منهم فلا تستهن بنفسك، فأنت من القليل المميزين في كل زمان و مكان، و لست من الكثير الذين يمشون مع القطيع، لا تمشِ مع التيار و كن عزيزا حكيما فقد أصبحتَ عملة نادرة جدا إن أنت توقفت و لم تدعه يجرفك،
و كن مميزا بما تملك لأنك تملكه حقيقة لا تمثيلا، و لا تجعلهم يخدعونك بقشور واهية تُكسر مع أول لمسة لها .. قشور تكبّرها عدسات الكاميرات و الضحكات المزيفة لتخدع من سلّم نفسه لهم، و هم لا يتجاوزون صورة تُخفي خلفها الكثير من العقد النفسية الدفينة لا أكثر ، و سبحان من جعل بموت الصالح راحة من الدنيا و بموت الفاجر راحة للعباد و البلاد و الشجر و الدواب «........إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»
فاللهم اجعلنا ممن يستريح من الدنيا حين نبرأ إليك لا ممن يُستراح منا !
و السلام








Comments