قشور رمضانية
- Haya Alaqeel

- Mar 22, 2023
- 3 min read

بقلم : هيا العقيل
تكرر علي في الآونة الأخيرة أسئلة عن شهر رمضان، و معظمها ينصب في: هل جهزتي زينة رمضان، هل جهزتي الطعام المعدّ مسبقا و وضعتيه في الثلاجة استعدادا لشهر رمضان؟ من ستدعين في شهر رمضان؟ هل أخذتي جولة على المسلسلات لاختيار ما ستشاهدين منها في رمضان؟ هل اشتريتي الملابس الخاصة لشهر رمضان؟
إلا واحدة فقط هي من سألتني : في أي مسجد تصلين التراويح في رمضان؟
و أضحك بين و بين نفسي على حالنا و أحوالنا نحن أمة الإسلام، و وجدتني أقول لنفسي: هل هذا هو رمضان ؟ أم أنها قشور رمضان؟
طعام، و ملابس، و ولائم، و مسلسلات، و فوانيس، و نجمة و هلال مضيئين، و قلوب هاوية خاوية لو أدركت معنى رمضان الحقيقي لداست على فراملها و لما تهاوت لهذه الدرجة
هل فقد رمضان معناه الحقيقي في أيامنا هذه فأردنا أن نضيف له المعنى المادي عبر قشور تتماشى مع عصرنا المادي، عبر زركشة و زينة وبهرجة و عروض و مسلسلات؟ ما جعله يفقد في نفوسنا المعنى الحقيقي لرمضان.. رمضان الصيام، و رمضان القيام، و رمضان الزهد، و رمضان حفظ اللسان، و رمضان غض البصر، و رمضان الشعور بالاخرين من محرومين و فقراء و مساكين
فأُتخِمت البطون فيه من كثرة الولائم و الطعام..
و نُصبت الخيام للسهر و السمر و التلذّذ بأنواع الطعام، و إلقاء ما تبقى منها في سلة القمامة و المهملات، و بشر في أماكن مجاورة يتضورون جوعا، و من حيث يلقي هؤلاء الطعام يأكلون هم منه هناك..
و احمرّت العيون من كثرة التسمّر أمام شاشات التلفاز و الهواتف لمشاهدة المسلسلات و برامج الطبخ و السخافات.. التي لا يحلو لهم إنتاجها و ترويجها إلا في رمضان! و اقتصرت الأعمال و الأشغال فيه على بضع سويعات و كأن بني البشر الذين واجهوا أشدّ الظروف قبل التطور و "الازدهار" قد باتوا سيموتون تعبا و جوعا من أداء أعمالهم الآن في رمضان! هذا بالرغم من توفّر سبل الراحة أكثر من كل سابق من رمضان، من مكاتب، وسيارات، و مكيفات، و ماء عذب، و طعام ينتظرهم في أطباق نظيفة، و بيوت تأويهم من حر الصيف و برد الشتاء..
و اكتست المصاحف بالغبار، أو تلمّعت كونها قطعة رمزية تزين الأرفف و المكاتب و بعض المكتبات..
و تلمعّت البيوت و المجالس و الشاشات للتسمّر
و الجمعات..
و كأننا بحاجة للمزيد من الانتكاسات، و الهشاشة التي تزداد بمثل هذه السلوكيات، كطفل دمّره والداه بكثرة الدلع و تلبية الطلبات
أغاية رمضان أن نفرغه من معناه الحقيقي و نُبقي على القشور التي صنعناها بأيدينا، فيذهب الجوهر و تبقى القشور؟
أغاية رمضان أن نملأ بطوننا، و نتسمر أمام شاشاتنا، و نزيّن مجالسنا، و نتبادل التهاني و التبريكات، و قلوبنا ميتة خاوية لا تفقه من رمضان سوى نجمة و هلال مضيئين، و فانوس في زاوية الغرفة، و إعلانات تهنئنا بالشهر الفضيل لمصالح أصحابها و جيوبهم، و خيمات"رمضانية " مع رقصات صوفية أو مغني طرب أصيل، و ولائم تكفي لإشباع آلاف البطون إن لم يكن أكثر، و ملابس تعكس تراثنا الشرقي الإسلامي علنا نستر بها نفوس خاوية، فنختبئ خلفها مخفين ضعفنا و هشاشتنا و بعدنا عن ديننا الحقيقي، و تمسكنا بدين "على الموضة" يمشي مع التيار
أين نحن من رجال و نساء صاموا قبلنا!
من أولئك الذين اعتادوا الصبر على الطاعة و أداء العبادات في جميع الأشهر ثم هم ضاعفوها في شهر رمضان!
لأولئك الذين كانوا يجاهدون و يحاربون و يقاتلون و لم يتوفقوا عن ذلك حتى في رمضان !
لأولئك الذين تورّمت أقدامهم من كثرة الصلاة و القيام!
لأولئك الذين تصدقوا بثروات و ليس فقط بالفتات!
لأولئك الذين كانوا يشدُّون الأحجار على بطونهم ليقيموا أصلابَهم من شدة الجوع و يستمروا في العمل دون تعلل بالمحيط و الأجواء!
نعم شهر رمضان هو شهر نفرح لقدومه و نتهيأ و نستعد له على جميع الأصعدة و لِمَ لا، و لكن بعد أن نكون قد حافظنا على معناه و هدفه الحقيقي فيأتي ما بعده يقوّي من أثره في نفوسنا و ليس العكس، فهو شهر الرحمة و المغفرة و العتق من النار، شهر تُفتح فيه أبواب الجنة و تُغلق فيه أبواب النار، و تُصفّد الشياطين، و تتضاعف فيه الحسنات، و تُغفر الخطايا، و تُرفع الدرجات. هو الذي قال عنه الحبيب المصطفى: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»
من قامه إيمانا و احتسابا، لا قشورا و زخرفةً، و لا تفاخرا و استعراضا، و لا تخمةً و إسرافا، و لا سهرا و استهتارا
رمضان الإيمان و الاحتساب.. هذا هو رمضان الحقيقي الذي سينتج عنه نسخ محسّنة من أنفسنا و من مجتمعاتنا، و ليست تلك القشور الواهية التي يروجون لها على أنها رمضان.. و رمضان منها بريء
و أجدني في الختام أردّد قول المتنبي :
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
و السلام..








Comments