لا تهدر طاقتك بصغار العقول
- Haya Alaqeel 
- Jan 19
- 2 min read

بقلم : هيا العقيل
امتلأت مجتمعاتنا بأصحاب العقول النيّرة،
المتعلّمة، المنفتحة، المثقّفة، الممتلئة بالعلم والثقافة
والحجج والمنطق، وهو ما بعث فينا الأمل بأننا نسير نحو مستقبل مشرق،وما جعلنا نشعر أننا
مقبلين على مرحلة جديدة من الازدهار الفكري،
والعلمي، والتطور، والتقدّم نحو الأفضل في جميع الميادين.
لكن في المقابل أيضا، فاضت مجتمعاتنا بخفاف وصغار العقول وسفهاء القوم،
الذين ما إن تراهم حتى تخشى على مصيرك ومصير أمّتك مما هي مقبلة عليه، وفي أحيان قد تُظلم الدنيا في عينيك إن
اجتمع فجأة حولك مجموعة منهم وليس شخص واحد فقط، فتشعر عندها أن الإحباط قد جاءك دفعة واحدة، كأنه موجة بحر يستحيل إيقافها إلا إن
هي هدأت و رحلت من تلقاء نفسها، عندها
تستجمع أنفاسك و تنتهز
أول فرصة لتلملم نفسك وترحل سريعا مبتعدا عن الشاطئ الذي أوصلك إليهم من
الأساس، إن كنتَ واعيا لذلك طبعا
سفهاء القوم وصغار العقول الذين تكاثروا بسرعة في الآونة الأخيرة، أولئك المنتشرون في جميع الميادين في حياتنا وليس في ميدان واحد فحسب، فنجدهم في أجهزتنا التي في جيوبنا،
وبيوتنا، في العمل، في الشارع، في الجامعة، لا بل حتى في الأسرة الواحدة أحيانا.
كل منهم له اختصاص يليق به، فمنهم – على سبيل المثال - من تجده يقيّمك لمظهرك وما تملك من مال، ومنهم من يقيّمك لحسبك ونسبك، ومنهم لمنصبك، ومنهم من هو
سلبي يشحن بطاريتك بسلبية غير مرئية عبر غيبة ونميمة، ويفرح بعدها بذلك الإنجاز المتلخِّص في تضخيم ذاته والأنا العليا عنده وتصغير الآخرين وإنجازاتهم. ومنهم من هو مزاجيّ وكل يوم هو في حال، ولا يعجبه إلا إن أنت أصبحت مرآة له تتغيّر حسب مزاجه في الحال. ومنهم من هو إمّعة لا رأي له، يوافق الناس بإذعان على ما يريدون بلا نقاش أو جدال، وغيره الكثير من التخصصات التي تليق بكلٍّ منهم بامتياز
صغار العقول، تعرفهم حين تنظر إلى نفسيتك بعد رحيلهم، فإن شعرتَ بأنك قد أضعت وقتك وقزّمتَ عقلك ولم تستفد منهم شيء يُذكر فاعلم أنك قد كنت مع أحدهم، وإن شعرت أن اهتماماتك
بدأت تأخذ مجرى السخافات من غيبة ونميمة وغيرها من أفعال، فاعلم أنك قد قضيت وقت لا يستهان به مع أحدهم أيضا
إذا وجدت نفسك تحرص على ثمن ما ترتديه أكثر من اقتناعك به وبحاجتك إليه، فاعلم أنك محاط بخفاف العقول أصحاب المظاهر والقشور الهشّة، الذين ما إن خلعوا ما يرتدون لم ينظر
إليهم أحد، ولم يُعرهم أدنى اهتمام لضحالتهم وسطحية عقولهم، ما يذكّرنا بموقف سقراط حين جاءه أحدهم وهو يتبختر فى مشيه، يزهو بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه
سقراط مطولاً، ثم قال
جملته الشهيرة: تكلم حتى أراك!
إذا وجدت أنّ نفسك تلومك لأنك وضعتها مع أشخاص لا يعرفون قيمتها ويقدّرونها، ستعرف أنك تعاشر هؤلاء
السفهاء، فالنفس حساسة أكثر مما نتخيل ويصلها الشعور مباشرة دون مقدّمات، أو معوقات، أو معرقِلات
إن استطعت تغييرهم للأفضل فأنت عندها من المصلحين العظماء النادرين في كل زمان و مكان، وإن لم تستطع فعندها تحرّك أنت لست جماد، تحرّك و ارحل بأكثر أجزائك بعيدا عنهم إن لم تستطع أن ترحل كلك
ارحل.. ولا تهدر طاقتك بصغار العقول وسفهاء
البشر، ارحل ولا تنظر خلفك، ولا تستنزف طاقتك، ولا تهدر وقتك معهم، فالوقت سنحاسب عليه وصحتنا سنحاسب عليها، وما صحتنا النفسية والعقلية و راحة بالنا إلا جزء رئيسي من هذه الصحة التي لا شك أننا سنُسأل عنها بين يدي الخالق
ارحل.. إلى من يعرف قدرك حين لا تملك شيء، تماما كما يعرفها حين تملك كل شيء
ارحل.. إلى من يعرف قدرك حين لا تملك شيء، تماما كما يعرفها حين تملك كل شيء
ارحل إليهم (ففي الناس أبدال وفي الترك راحة..) كما قال الإمام الشافعي، ولا تهدر طاقتك مع السفهاء وصغار العقول، فتصغر وتتلاشى في بحرهم، ذاك الذي لن يوصلك سوى لأعماق كل شيء صغير مثلهم ومثل عقولهم،
وتذكّر أن الأرض مليئة بالبشر الرائعين الذين يتمنون لقاءك
والسلام..








Comments