و قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت
- Haya Alaqeel

- Nov 14, 2024
- 4 min read
Updated: Sep 17

بقلم : هيا العقيل
هل ما نحن فيه من كبت، وكبَد، وألم، هو عقاب لخذلاننا وتخلّينا عن إخواننا، الذين اعتقدوا أننا سنكون لهم سندا بعد الله يحميهم، وشوكة في حلق عدوّهم تحرقه، فتُشفي غليلنا وغليلهم، وتخفّف لوعة قلوبنا وقلوبهم
هل هذا النكد، والركود، وضيق الصدر الذي نحن فيه هو عقاب أمّتنا التي تقاعست، وتخاذلت، وتراجعت، وتخلّفت، فكان عقابنا أنْ ضاقت علينا الأرض بما رحبت
تخلُّف وخذلان بلا عذر، يُلحّ على بعضنا - ممن لا زال عنده بقايا ضمير حيّ - أن يتوب توبة صادقة، عسى الله أن يتوب علينا.
يا رب..
توبة تتوب بها علينا كما تُبت على الصحابة؛ كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال بن أبي أمية، حين تخلّفوا عن غزوة تبوك من غير عذر شرعي، غفرتَ لهم ورحمتَ حالهم، لأنك أنت الغفور الرحيم، ثمّ لأنهم صدقوك، واعترفوا بذنبهم دون تبرير أو نفاق، فأَنزلتَ بهم آيات خلّدتهم وخلّدت موقفهم الصادق صِدق الظاهر وصِدق الباطن، لنتعلّم منهم الدرس على مرّ العصور والأزمان، في قولك:
( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لاملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ( سورة التوبة )
ماذا لو كان بيننا رسول الله، هل كنا سنَصدقه القول والنيّة لتخلُّفنا عن نصرة إخوة لنا هم في أمسّ الحاجة لنا كما فعل الثلاثة؛ بلا أعذار واهية، ولا حجج كاذبة، وننتظر أمر الله فينا ؟ أم كنا سنعتذر له ونراوغ ونحلف، فيقبل منا ظواهرنا ويستغفر لنا، ونحن في دواخلنا منافقون وكاذبون لأقصى الحدود ؟
تخلّفَ الثلاثة عن الغزو الذي كان في زمان الحرّ والشدة، وشعروا واستشعروا فداحة الذنب الذي اقترفوه وعظمته، فاعترفوا به، و تابوا عنه، حتى تجاوز الله عنهم وغفر لهم صنيعهم؛ ذلك أنّ صِدقهم و اعترافهم بذنبهم كان طوق نجاتهم مع الله، ومع رسول الله، ومع أنفسهم. صدقوا واعترفوا بتخلّفهم، ولجأوا إلى الله تائبين مستغفرين، فتاب الله عليهم. ونحن نتخلّف في زمن التكنولوجيا، والتطوّر، و "التقدّم "، والصواريخ، والدبابات، والطائرات، والسيّارات، والمكيّفات، والمعلّبات و..و..و ....
هم عوقبوا بذلك حين تركوا قضية تَعنيهم لأنّهم كسالى، ونحن تركناها لاهين بالسخافات والتفاهات، تاركين خلفنا أطفال يتامى وأمهات ثكالى
هم عوقبوا بذلك حين تركوا قضية تَعنيهم لأنّهم كسالى، ونحن تركناها لاهين بالسخافات والتفاهات، تاركين خلفنا أطفال يتامى وأمهات ثكالى
ستضيق بنا نفوسنا أكثر، وستعتصر الآلام والدعوات التي أطلقوها في السماء لربّ السماء راحةً وسكينةً كنا قد نَعِمنا بها يوما ما، ولا نجاة لنا إلا بأن نطرق باب الله بتوبة صادقة، وبأن نخطو خطوة حقيقية نحو التغيير، ونتدارك ما يحدث قبل أن ينهار البنيان، الذي قال عنه رسولنا الحبيب: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا) حديث صحيح، وقبل أن يعتلّ الجسد الذي قال عنه أيضا: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى)حديث صحيح.
تغيير كلٌّ من مكانه، فلا يكلّف الله نفسا إلا وسعها، وكلٌّ أدرى بوسعه. وإلا فسيعتلّ الجسد بأكمله، لأن أحدا منا لا تداعى له ولا اهتمّ لأمره؛ سيتداعى فوق رؤوسنا، و رؤوس أبنائنا، والأجيال القادمة التي ستأتي من بعدنا
سيعتلّ؛ لا بالسهر والحمّى، إنما بالقلق، والأرق، وضيق الصدر، والأمراض النفسية، وبأن يسلّط الله علينا عقابا من حيث لا نعلم.. إذ لا يعلم جنود ربّك إلا هو (و ما يعلم جنود ربك إلا هو) (سورة المدثر)
لكن مع كل هذا، وفي خضمّ الألم والمعاناة، وضيق الصدر، وضعف الحيلة، إلا أنّ هناك دوما فسحة أمل تُزاحم القنوط واليأس الذي قد يصيب الإنسان في هذه الحياة، وما يواسينا في المقام الأول؛ هو أنّ النصر بجميع أشكاله إنما هو من عند الله، لا من عند البشر، وبقدرة الله وحده، وليس بقدرة أحد سواه، مهما قويَ وسيطرَ واستبدّ هذا الأحد مُعتقِدا أنّه المنتصر، فمَن كان الله عليه فمَن معه؟ ومن كان الله معه فمَن عليه؟ وأنَّ الظالم هالك لا محالة، بأمر من الله وليس بما تدركه العقول والأبصار، وفي هذا نجد مواساة عظيمة لقلوبنا وقلوب المظلومين في كل مكان
وأنَّ الظالم هالك لا محالة .. بأمر من الله وليس بما تدركه العقول والأبصار
المظلومون..
أين نحن منهم؟
أولئك الضعفاء الذين ينتظرون من ينصرهم، ويرفع الأذى عنهم لعجزهم و قلّة حيلتهم، لكنّهم أقوى منا بكثير
وكيف لا..
ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب
وكيف لا..
والظُلم قد حرّمه الله على نفسه، وجعَله بيننا نحن بني البشر محرّما، كما جاء في الحديث القدسي
(يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...) حديث صحيح
وكيف لا..
والظلم.. يأخذ صاحبه أخذا شديدا إذ جاء في الحديث الشريف: (إنّ الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) حديث صحيح
وكيف لا..
والظلم ظلمات يوم القيامة: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنَّ أخذه ألِيم شديد) (سورة هود)
وكيف لا..
وقوة الظالم، وعدّته، وعتاده، ليست سوى استدراج له من حيث لا يعلم، فالعاقل لا يغترّ بإمهال الله للظالم وإنظاره له، وهو القائل:
( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، و أملي لهم إنّ كيدي متين) سورة الأعراف، و (ولا تحسبن الله غافلا عمّا يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) سورة إبراهيم، وقد قالوا: ارتفاع الظالم لا يعني غفلة الله عنه، فكلما زاد الارتفاع، كان السقوط مرعباً
النصر قادم لا محالة.
متى؟ علمه عند الله.
النصر قادم لا محالة... متى؟ علمه عند الله.
لكن... حين يأتيهم النصر الذي وعدهم الله به ماذا علينا أن نفعل يا تُرى، هل سنفرح فرحا عظيما؟ هل علينا أن نقف مكاننا نفرح بصمت مكتوفين الأيدي كما نحن الآن، ونشاركهم إياه بقلوبنا خجلا وعلى استحياء؟ وكيف لا وهذا النصر جزاءً لهم هُم بما صبروا، و عملوا، و احتملوا، و احتسبوا، و ليس لنا نحن أي جزء فيه..
قد ينبغي علينا أن نصمت حينها كما نحن صامتون الآن، ففرحة النصر هذه هي مُلكية خاصة بهم، ولهم، ومنهم؛ ضحّوا في سبيلها بكل ما يملكون، ولا يحقّ لمن لا يملك الشيء أن يشارك شيئا يخصّ غيره إلا بإذنه. وهذا ما نأمل أن يحدث، أن يشاركوننا فرحة النصر، وأن يسامحونا على تقصيرنا، و مَن يدري، ف قد يعذرونا؛ إذ أن بعضنا قد بذل جهده بقدر استطاعته، وإن كانت جهودنا مجرد فُتات مقابل تضحياتهم، لكننا نأمل، والأمل في ديننا بعد العمل عبادة نؤجر عليها
في الختام..
لتُهدى لهم كل روايات العالم، والقصائد، والخُطب، والملاحم، والبطولات، وكل ما قد قيل عبر التاريخ حتى يومنا هذا، وما بعد يومنا هذا، عن حب الوطن، والتضحية لأجله بكل شيء
الحزن ليس على من رحل منهم، فهم يقينا في مكان أفضل إن شاء الله، بل على قلوبنا التي باتت لا تهتزّ لما تراه من مشاهد القهر. المخيف أنّ معظمنا قد اعتاد المشهد، وأنّ في جوفنا ما عاد هناك رهبة له كما كان، وعلى هذا نحزن!
حقا كما قال دوستويفسكي:
أبشع ما في الأمر هو أن الفظاعات أصبحت لا تهز أنفسنا، هذا التعوّد على الشر ..هو ما ينبغي أن نحزن له
والسلام..








Comments