و ما يدريك .. لعلّ الساعة قريب
- Haya Alaqeel

- Sep 30, 2021
- 3 min read

بقلم : هيا العقيل
كان صباحا لا يختلف كثيرا عن معظم صباحاتي، أعددت قهوتي في محاولات جادة مني لعدم إحداث أدنى ضجيج يوقظ أحدا من شأنه دون قصد منه أن يشوّش صباحي ، هذا الصباح الذي لا أستهويه إلا و البشر حولي نائمون، و الصديقان الوحيدان اللذان أعطيهما استثناء ليشاركانني فيه هما كوب قهوتي و الصوت الذي في داخلي، هذا الصوت الذي لا ألتقيه سوى في الصباح الخالي من البشر ، فهو هادئ للغاية و لا أستطيع سماع أنفاسه إلا إن كتمت أنا أنفاسي لوهلة عبر شهيق و زفير مهيئة المكان له كي يأتي و يُسمعني ما قد أعدّ لي سماعه
حاولت أن أتأمل ككل يوم يمرّ دون مقاطاعات صباحية من أي أحد، ثم أمسكت مصحفي الذي على الطاولة بجانبي، و فتحته دون تخطيط لمَ سأقرأ، ففتحت على سورة الشورى، و وقعت عيناي على آية:
( الله الذي أنزل الكتاب بالحق و الميزان و ما يدريك لعلّ الساعة قريب)
فتوقفت و لم أكمل، و أخذت أتخيّل لو كانت الساعة على بُعد أيام مني ..
و أخذت أُحدِّث نفسي:
هل سأفعل ما أفعله هذه الأيام؟
هل سأتوقف عند ما أتوقف عنده هذه الأيام؟
هل سأدقق على ما أدقق عليه الآن؟
هل سأهتم بما أهتم به الآن؟
هل قائمة أعمالي اليومية على تلك الورقة التي بجانبي ستبقى كما هي؟
هل ما أعلّمه لأطفالي سيكون هو ما هو؟
هل و هل و هل لم تنقطع، بل أصبحت كل هل تجرّ مئات ال ( هلّات)
هل.. و هل.. و هل..
هل سأجلس أفكر في أهدافي المستقبلية التي لن تأتي لأن المستقبل في العالم بأسره لن يأتي هذه المرة؟
لا بل سيأتي على هيئة يوم عظيم سينقلنا إلى مستقبل بعيد لم تدركه العقول البشرية حتى الآن
هذا اليوم العظيم الذي قد أرى فيه صديقتي التي ودّعت الحياة منذ زمن قد عادت للحياة تسير إلى الحساب،
و جدي الذي دُفن في أقاصي الأرض قد أراه قريبا يمشي بجانبي دون أن أعرفه و يعرفني،
و أطفالي سيهربون بعيدا عني،
و أنا سأهرب من أمي و أبي!
(لعلّ الساعة قريب)
هذه الآية جعلت كل ما أريد من الحياة لوهلة بعيد جدا ..
بعيد عن قلبي.. عن روحي.. عما أتعلق به..
و قريب فقط من الأمل برحمة ربي.. و مغفرة ربي..
و حلم ربي..
(لعلّ الساعة قريب)
كشفت النقاب عمّا أريده معتقدة أنه النافع لي
و عمّا سينفعني حقا حتى و إن كانت الساعة تقوم
(لعلّ الساعة قريب)
جعلت كل طموحاتي البعيدة قد شُطبت في انقطاع الزمن الذي ستكون نهايته على بعد أيام قلائل
(لعلّ الساعة قريب)
جعلت من كل الماديات حولي مجرد رماد سيعود لأصله.. عما قريب
(لعلّ الساعة قريب)
جعلت من الأرامل و اليتامى و اللاجئين في المخيمات، و المظلومين في السجون، و المرضى في المستشفيات
نهاية لكل ما هم فيه، هي أيام قليلة و ستقوم القيامة عليهم و على من ظلمهم من رب العالمين العادل الجبّار
(لعلّ الساعة قريب)
أتخيل حجم الارتباك الذي سيصيب جميع القطاعات، و جميع الرؤوساء، و جميع القوانين، و جميع البشر، و الحيوانات لو علموا أن الساعة ستأتي عمّا قريب
(لعل الساعة قريب)
هل من نتابعهم على السوشال ميديا من الفارغين سيستمرون بالضحك على عقولنا بعد أن يعلموا بأن الساعة لا تفصلنا عنها إلا حفنة من الأيام
(لعلّ الساعة قريب)
هي ساعة الفرج للمؤمن كي ينهي هذه الحياة و ينتقل للحياة الخالدة التي يستحقها..
هي ساعة الضيق و الانهيار للظالم الذي لم يؤمن أساسا بوجودها، ثم صُعق حين وجدها حقا و واقعا يعيشه و بداية سيأوي بعدها لما يستحق من مأوى أبديّ لن ينفعه فيه منصب و لا حراس و لا مال و لا جاه
(لعلّ الساعة قريب)
آية قد نمرّ عليها و لا نتوقف عندها كثيرا، لكنها أكبر من أن يتركها عاقل دون أن يتخيّل ماذا سيحدث فيها
علّ الاسهاب في تخيّل ما سيحدث لو قامت الساعة فيه كل الخير لنا .. خير يجعلنا نستيقظ من سبات عميق و أمل بعيد و تسويف لا حدود له معتقدين أن الرحلة طويلة أمامنا.. و الوقت مفتوح أمامنا..لكن من يدري أين هو مكانك و توقيتك في قائمة ملك الموت .. قد تكون على بُعد سنوات، و قد تكون على بعد أشهر، و قد تكون على بعد دقائق، و قد تكون على بعد ثوان.. من يعلم
آية لو تفكّرنا بها لجعلتنا نخطو خطوة للأمام نحو الأفضل، ذلك أننا نعلم أن هناك يوم حساب لكل عمل، و كل سعي، و كل محاولة، و كل فشل، و كل نجاح، و كل ذرّة من الأعمال و النيّات التي لا نلقي لها بالا، فنشمّر عن سواعدنا و نزيح الستار عن أنفسنا لتبذل أفضل ما في وسعها و تقدّم كل ما تستطيع تقديمه لنا و للحياة بأكملها من حولنا..
فيُقال في الأرض و في السماء.. قد مرَّ و هذا الأثر !








Comments