علّمني كورونا
- Haya Alaqeel

- Aug 17, 2020
- 3 min read
Updated: Jan 8, 2021
بقلم : هيا العقيل

بعد فترة قد تكون ليست بالقصيرة، سأذكر- إن كنت حيا - ما أعيشه في أيامي هذه لأولادي و من بعدهم أحفادي ما واكبت في عصري الحالي، سأحدّثهم عن كائن صغير كان قد عطّل حياتنا و قلبها رأسا على عقب في ليلة و ضحاها، كائن لا نراه بالعين المجردة لكن سلطته قوية في نشر جنوده، ما إن تلمسه - حتى لو بدون قصد - تصبح جنديا من جنوده في نشر سلطته، و لن يكبح جماحه إلا أن تعتزل الناس لأيام بقرار منك.
اتحدّ هذا الكائن على هدف واحد مع أقرانه، و نحن ما زلنا نختلف هل هو عقوبة إلهية، أم أن أحدا دسّه في مكان ما؟
لم يلتفت كورونا لكل الشائعات حوله، و لم يتأثر بما وصفوه، و لم يثنيه ما حدث لأصدقائه من قبله من أمثال سارس و الطاعون و غيره، بل قرّر أن يمضي قُدما و لا يهتم لما يُقال من حوله
علّمني كورونا رغم كل الضجة المثارة حوله، و كل الألسنة التي تطاله، و كل الدعوات التي تتقصده الكثير، فكان مما تعلمته من هذا الكائن الخفيّ:
أن الكوابيس لا تأتينا فقط و نحن نائمون بل قد تأتينا في وضح النهار أيضا، علّمني هذا الكائن البسيط في حجمه الكبير في مفعوله أنّ المرونة هي أساس إدارة الأزمات، سواء كانت تافهة أم معقدة، و أن أفكّر بالحل بدلا من أن أندب الحظ، و أنّ مَن خَطر في بالي خوفا عليهم منه للوهلة الأولى هم أهم أولوياتي، رغم أني قد أقصّر أحيانا في حقهم و أعطي اهتمامي لمن لا يستحق. و أن الحياة قد تتوقف بالكامل على جميع الأصعدة، ليس لأني غادرت الحياة بل لأنه هو من رأى بصيص النور. علّمني كورونا أن الناس جميعها تخاف، إلا قوي الإيمان يأخذ بالأسباب و يتوكل على الله، و أن أفكر بإيجابية و أن أستشعر ما قد قالوا من قبل: لا تبكِ على اللبن المسكوب، و أنّ إشعال شمعة خير من لعن الظلام. و أن ألتفت لصحتي فهي خط دفاعي الأول بعد الإيمان بالله ضد أي شيء، و أني قد لا أعيش للغد فعلا، و ليس فقط إيمانا بل حقيقة حقيقية
علّمني أني مهما حاولت أن أسيطر على حياتي بالكامل، فإني بذلك لا أطلب سوى المستحيل، و أنّ الإنسان مهما وصل في تقدّمه من علوم و تكنولوجيا، فإنه يقف حائرا و خائفا أمام مخلوق أصغر منه بمليارات المرات. علّمني أن النعم تُشكر و لا تُؤلَف، فإن ألِفتَ أبسطها قد تختفي بلمح البصر، و تصبح أمنية تتمنى لو تتحقق
علمني أن كل الأعمال قد تبور بغمضة عين، و أنّ أعمال بالمليارات قد تنهار، إلا عملك مع الله لن ينهار تحت أي ظرف من الظروف. و أن البشر على الأرض قد يتّحدوا إن هم قرروا ذلك، و تمنيت لو دوما توّحدنا في مواجهة كل صعاب الحياة، لعشنا الجنة في أرض الله
علّمني أن لا أزدري شيئا مهما كان صغيرا، و أنك لا تحتاج أن تمتلك العدة و العتاد كي تكون قويا، بل تستطيع خلق هذه القوة من نفسك وبنفسك، و أن لا تُعجب بنفسك كثيرا فقد يدمّرك من هو أصغر منك بكثير، لا بدبّابات و معدات ثقيلة، بل بقوة خارقة يؤتيها الله من يشاء و ينزعها ممن يشاء
ذكّرني كورونا أنه تعدّدت الأسباب و الموت واحد، و أنك مهما حاولت الحفاظ على نفسك من الشرور، فقد يأتيك قدرك من حيث لا تدري و يأخذك إلى حيث تدري . علّمني أن الحياة بعده لن تعود كما قبله، علّمني درسا ما استطاع أن يعلّمني إياه كبار الأساتذة و المعلمين، علّمني دروسا في التأمل، والصبر، و الرضا، سأرويها لكل من جاء بعدي من الأحباب
علّمني بصمت رغم كثرة الضجيج حوله..
علّمني بقوة رغم ضعفه بمقايسنا نحن البشر..
علّمني الكثير، بلا كتب، و لا أقلام، و لا مراجع بجميع الأشكال، لكنه قد ترك في نفسي ألف سؤال و سؤال
نعم أتمنى أن يرحل للأبد، و أدعو الله أن يصبّر من ترك فيهم الحزن و الألم، لكن ما تركه في نفسي لم يكن ليتركه أحد غيره في نفسي
أثر من الصعب أن يُمحى ..
أثر باقٍ للأبد ..








Comments