و كبرتُ ...

بقلم : هيا العقيل

و مضت بي الحياة إلى شواطئ متعددة.. كلما ظننت أني وصلت أكتشف أني قد تهت أكثر، فأعود و ألملم أغراضي و أفكاري متجهة بها إلى شاطئ آخر

و كبرت..

و ما زالت قطعة الحلوى تفرحني

و تشجيع معلمتي يبهجني

و عتاب صديقتي (الحقيقية) يؤثر بي

و هدية غير متوقعة تطير بي فرحا

كبرت

و أدركت أني قد تغيّرت كثيرا .. و أني في اليوم الواحد قد أتغير عدة مرات

و كبرت..

و أصبحت القهوة أغلى رفيقاتي، ألملم حولها مشاعري و انفعالاتي، علّها تأخذ من دفئها ما يزيد قلبي دفئا..

و أصبحت أنام باكرا و ما عاد السهر يغويني

و كبرت..

و بدأت أفكر بآخرتي .. فخطواتي في الحياة تقربني من ذاك القبر كل دقيقة أكثر

و كبرت..

و حاولت بنفسي و من نفسي أن أحلّل ما سبّبته تراكمات الأيام في نفسي، علِّي أعيش نفسي التي أطمح لها قبل الممات

و كبرت..

و ما عاد النقد يؤثر فيني و لا حتى المديح

و ما عاد كلام أي شخص في حياتي من المسلّمات

و ما عاد كلام معظم الناس من اهتمامي من الأساس

و ما عادت السذاجة إحدى عناويني

و كبرت..

و اشتقت لوقت فيه كنت لم أكبر بعد

ليوم كان همي الأكبر فيه هو إيقاظ أخي الأصغر في الصباح كي يلعب معي دون أن يلاحظ أحدهم أني أنا من أيقظته

ليوم كنت أغطي رأسي بالبطانية متمنية أن تصبح حياتي إجازة طويلة بلا مدرسة

ليوم كنت أتسلل فيه لغرفة أختي لأنتشل من خزانتها الأنيقة ما يناسب مشواري

لصوت ضحكتها البريئة الذي يعطيني الإشارة بأنها سامحتني على فعلتي بعد أن تكتشفها

و كبرت..

و علمت أنك قد تقابل أصدقاء في قمة الروعة لكن أصدقاء المواقف لهم طعم آخر لا ينسى بنكهات متنوعة بتنوّع التحدبات التي مررنا بها سويا

و علمت أن أجمل الأصدقاء و أصدقهم هم الأخوة ذلك أنكم تشتركون في ماض واحد و خرجتم من بستان واحد و ظللكم سقف بيت واحد.. ظلّل ضحكاتكم، قهقهاتكم، دموعكم، طموحاتكم، أفراحكم، أحزانكم، نجاحاتكم، و محاولاتكم الفاشلة.. كل شيء كان معهم واحد و إن كنتم أكثر من واحد تحته

و كبرت ..

و سعيدة أني كبرت، و إن كنت أشتاق لأيام كنت أعتقد فيها أني كبيرة بما يكفي لأفعل ما أريد، لكني بعد أن كبرت اكتشفت أني قد كنت ما زلت صغيرة.. صغيرة جدا

و كبرت ..

و رميت خلف ظهري ما كان يوما ما قد أوجع ظهري

و أدركت أنك كي تكون الأقوى يجب أن تقوى.. بربّك ثم بنفسك و من نفسك

و كبرت ..

و ما زلت في عيني والديّ صغيرة، و يبدو أنني سأكبر بعيون جميع من حولي إلا هما فسأبقى دوما تلك الصغيرة

و كبرت ..

و أتمنى أن أبقى متصالحة مع فكرة أنني أكبر

و أن أفتح ما تبقى من نوافذ عقلي بينما أكبر و أكبر

و أن أسقِ بذور الجمال في تربة روحي حتى تكبر و تزهر

و أن أنتشل منها جذور قد ضربت فيها لا تشدني سوى للأسفل بينما أكبر

و أن يكبر الجمال بعيني كلما أكبر

و أن تكبر أحلامي بجانبي كلما أكبر

و أن أغادر هذه الدنيا و قد أفرغت فيها كل ما في جعبتي التي ما زالت هي الأخرى تكبر

أن تكبر و أنت متصالحا مع نفسك يعني أن تكبر بسلام و أن تختار مواقفك في الحياة بعناية، و أن تختار من سيدخل حياتك في الفترة القادمة بعناية أكبر.. أن تكبر بحبّ يعني أن تكبر و يكبر معك الجمال و الخير الذي قد جبلت عليه منذ أن كنت نطفة في بطن أمك

لا تخشَ أن تكبر.. فهذا أمر محتوم

لكن اخشَ أن يكبر خارجك راسما علامات النضج على محيّاك و يبقى داخلك خاويا راكدا متوقفا عن السير للأمام

أن تكبر بحبّ.. يعني أن تسير نحو الأمام بسعادة و رضا، و لا بأس من أن تتوقف بين الحين و الآخر لتتجرع من ذكرياتك الجميلة ما ينعش روحك و يروي عطشك لها

أن تكبر بحبّ.. يعني أن تدرك أن حاضرك الذي تعيشه سيصبح قريبا من الذكريات

و أنك أنت نفسك بعد وقت قصير ستصبح من الذكريات لغيرك ، عندها ستصنعه ... بحب